بعد رفض بيرو استقبالهم.. عشرات المهاجرين الفنزويليين يعودون إلى تشيلي
بعد رفض بيرو استقبالهم.. عشرات المهاجرين الفنزويليين يعودون إلى تشيلي
جسّدت الحدود بين تشيلي والبيرو خلال الأيام الماضية واحدة من أكثر الصور قسوة لانعدام الأمان الإنساني، حين تحوّلت إلى ساحة انتظار مفتوحة لمصائر عشرات المهاجرين الفنزويليين غير النظاميين، العالقين بين قرارات سياسية متشددة وخيارات حياتية شبه مستحيلة.
وفي ظل تصاعد الخطاب المناهض للمهاجرين واقتراب الاستحقاقات الانتخابية، بدا الإنسان في هذه القصة هو الحلقة الأضعف، يدفع ثمن سياسات لا تعترف بدموعه ولا بجوعه ولا بمرض أطفاله، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الاثنين.
وغادرَ مهاجرون فنزويليون غير نظاميين، اليوم الاثنين، محيطَ الحدود بين تشيلي والبيرو بعد أن رُفض دخولهم إلى الأراضي البيروفية، واضطروا للعودة باتجاه مدينة أريكا شمالي تشيلي، في مشهد يعكس حجم الأزمة الإنسانية التي يعيشونها بعيداً عن أي حماية قانونية أو ضمانات إنسانية.
وأفادَ شهود عيان بأن عشرات الأشخاص، جلّهم من الفنزويليين، ظلّوا لأيام عالقين قرب المعبر الحدودي، بعد محاولتهم مغادرة تشيلي خوفاً من ترحيلهم القسري، ليصطدموا بقرار بيروفي مفاجئ يقضي بإغلاق الحدود وإعلان حالة الطوارئ على طول الشريط الحدودي الجنوبي.
وواجهَ هؤلاء المهاجرون واقعاً شديد القسوة، حيث افترشوا الأرض تحت شمس صحراوية حارقة، وتعرّضوا للجوع والإنهاك والعطش، واضطر بعضهم للاكتفاء بوجبة طعام واحدة يومياً فقط، وسط غياب كامل لأي تدخل إنساني كافٍ أو مراكز إيواء أو مساعدات طبية عاجلة.
طوارئ ثمنها إنساني
أعلنتْ السلطات البيروفية حالة الطوارئ في مناطق حدودها الجنوبية مع تشيلي، في وقت يحتدم فيه السباق الرئاسي المقرر في 14 ديسمبر، وسط تقديرات تشير إلى تقدّم مرشح اليمين المتطرف خوسيه أنطونيو كاست، الذي تعهّد بترحيل مئات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين.
واستُخدمت قضية الهجرة كورقة انتخابية حساسة، ما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة، تجاهلت تماماً هشاشة أوضاع المهاجرين الإنسانية، وحوّلتهم إلى ضحايا خطاب سياسي قائم على الخوف والتخويف بدل التضامن والحلول المستدامة.
وتحوّلَ المهاجرون إلى رهائن للقرارات الانتخابية، حيث أصبح وجودهم على الحدود “تهديداً أمنياً” لا حالات إنسانية تحتاج للحماية، في انتهاك ضمني لحقوق الإنسان التي تضمن الحق في الحياة الكريمة وطلب اللجوء والأمان.
رحلة يأس تحت الشمس
تضاءلَ عدد المهاجرين العالقين مساء الأحد ليصل إلى نحو عشرة أشخاص فقط، بعدما فضّل معظمهم العودة سيراً على الأقدام إلى مدينة أريكا الواقعة على بُعد 10 كيلومترات، غير آبهين بآلام الأقدام أو الخيبة التي أثقلت قلوبهم.
وروى زوجان في الأربعينيات من عمرهما كيف دفعهما العجز والجوع والخوف إلى التفكير بالعودة إلى فنزويلا، على الرغم من الظروف القاسية هناك، في مشهد يلخص مأساة إنسانية مركبة تختصر سنوات من الانهيار الاقتصادي والسياسي في بلدهم الأم.
وأشارَ بعض المهاجرين، الذين حاولوا إخفاء وجوههم خوفاً من الملاحقة، إلى نيتهم سلوك طريق أخطر عبر جبال الأنديز، والسير لمسافة تزيد على 400 كيلومتر للخروج خلسة من تشيلي عبر قرية كولشان الحدودية مع بوليفيا، ما يهدد حياتهم بالموت وسط الجبال والبرد والجوع.
أرقام مأساوية بلا حلول
ارتفعَ عدد المهاجرين غير النظاميين في تشيلي من نحو عشرة آلاف شخص في عام 2018 إلى ما يقارب 330 ألفاً في عام 2024، بحسب دائرة الهجرة الوطنية التشيلية، وتشكل الغالبية الساحقة منهم من الفنزويليين الذين فرّوا من الانهيار الاقتصادي وانعدام الأمن الغذائي والخدمات الأساسية.
وانعكست هذه الزيادة السريعة في أعداد المهاجرين على السياسات الحكومية والخطاب العام، حيث تصاعَدَت الأصوات المطالبة بالتضييق والترحيل بدل البحث عن حلول إنسانية عادلة تضمن كرامة الإنسان وأمن المجتمعات المضيفة في آن واحد.
واختُزلَت قضايا النزوح المعقّدة في أرقام وإحصاءات، دون الالتفات إلى القصص الإنسانية خلفها: أم تبحث عن دواء لطفلها، وشاب يحلم بعمل شريف، وعائلة قطعت آلاف الكيلومترات أملاً في حياة آمنة.
مسؤولية دولية غائبة
كشفتْ هذه الأزمة من جديد هشاشة منظومة حماية اللاجئين والمهاجرين في أميركا اللاتينية، وفشل المجتمع الدولي في توزيع الأعباء والمسؤوليات، وترك دول الحدود وحدها تواجه تداعيات موجات نزوح كبيرة دون دعم فعلي ومستدام.
وأكّدَت هذه الأحداث أن المأساة لا تكمن فقط في عبور الحدود، بل في غياب السياسات الإنسانية المنصفة، وفي تحوّل المعابر إلى جدران مغلقة أمام وجوه أنهكها التعب، وأحلام أنهكها الانتظار.
واستمرَّ المهاجرون في دفع الثمن، ليس فقط من كرامتهم، بل من صحتهم ومستقبل أطفالهم، في وقت بات فيه العالم أكثر انقساماً، والإنسان أضعف من أن يقاوم وحده آلة السياسة والخوف.











